بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
"المسجد الأقصى"
قال الله تعالى: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) أي نجينا إبراهيم -عليه السلام- من النار المحرقة التي وضعه فيها قومه الجبارون، فكانت النار بفضل الله بردا وسلاما على إبراهيم عليه السلام، وبوّأه الأرض المباركة فلسطين، وبالتحديد المسجد الأقصى منها الذي يحتل من قلوب المسلمين كافة بكل طوائفهم وأجناسهم ومذاهبهم؛ مكانة سامية مرموقة، وينظرون إليه نظرة ملؤها التعظيم والاحترام والتكريم، كما ينظرون إلى كل مقدس من مقدساتهم، وكل رمز من رموزهم المباركة، وهو منقوش في ذاكرتهم لا يمحوه منها محنة احتلاله من شُذّاذ الآفاق، وعبدة العجل من الصهاينة الآثمين، ويعيش في وجدانهم حاضرا دوما لا يغيب، وماثلا في أذهانهم لا يحجبه عن بصائرهم ليل المأساة مهما ادلهمّ ظلامه، وكثرت خفافيشه وثعابينه، ولا يخْبو لهم أمل في تحريره من قتلة أنبيائهم، مهما امتد حبل الباطل، ووجد من يسانده في إجرامه، ويغذّيه بأسلحة الدمار وقوات الشر، ذلك أن المسجد الأقصى -ويسمى أيضا ببيت المقدس- يرتبط به المسلمون ارتباطا دينيا لا تنفصم عُراه، ويتّخذ لديهم بعدا روحيا لا يمكن تجاهله ونسيانه، وهو حقهم المشروع الذي تثبته الحجج الدّامغة والبراهين السّاطعة، وتسنُده الوثائق الرّسميّة وشهادة تاريخه القديم والحديث، وليس مجرّد عاطفة مَشْبُوبة تلتهب بالحماس، ولا صراعا شكليا معتمدا على المناورة والخداع.
قال الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ونقف عند هذه الآية الكريمة، وقفة تأمّل وتبصّر، لِنَسْتَشِفَّ منها بعض الدلالات العظيمة على منزلة المسجد الأقصى عند الله.
قال الله تعالى: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) والضّمير في ((وَنَجَّيْنَاهُ) لإبراهيم عليه السلام، حيث جعل النّار الملتهبة المحترقة بردا وسلاما عليه، وأفسد غرض قومه الكافرين أن تُجعل النار المتأجّجة رمادا تذروه الرّياح.
ومما نستدلَ به مُستنبَطا من معاني الآية الأولى من سورة الإسراء أنّ الله تعالى بدأ السورة باسم من أسمائه الحسنى، وشرّفها دون غيرها من أسماء سور القرآن الكريم، ومجّدها وعظّمها بنفحات اسمه المبارك جلّ وعلا.
وقد قرن الله المسجد الأقصى بالمسجد الحرام، ولا يُقرن العظيم إلاّ بنظيره في القدر والمكانة، ولا يوزن الشّبيه إلاّ بشِبْهه في القيمة والاعتبار، وجعل الله بَدْءَ رحلة الإسراء من المسجد الحرام ونهايتَها إلى المسجد الأقصى، ولا شكّ أنّ شرف الانتهاء موصول بشرف الابتداء، فهما طرفا خطّ مستقيم واحد.
وجاء الخطاب في الآية الكريمة على أسلوب الالتفات، وهو الانتقال من أسلوب الغيبة إلى أسلوب خطاب التّكلّم بضمير العظمة في: بَارَكْنَا، لِنُرِيَهُ، آيَاتِنَا، ذلك أنّ إحلال البركة في المسجد الأقصى وما حوله، وإراءةَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- من ءايات الله في رحلة الإسراء، كلّ هذه الأفعال صادرةٌ من الله نفسه، وبنون العظمة، ولا ينسُب الله الكلام إلى نفسه بنون العظمة إلاّ ما هو جديرٌ بالإكبار والتّنويه والتّقدير، ولو جاء السّياق على وتيرة واحدة، فقيل مثلا على أسلوب الغيبة الواحد: الّذي بارك حوله، لأريه من ءاياتي، لفات علينا المعاني الجميلة التي ذكرناها، وما أدركنا من اللّمسات البلاغيّة وإشاراتها البديعة.
واكتملت كرامة المسجد الأقصى بصلاة كلّ رسل الله الكرام فيه جماعة بإمام خاتَمهم المُسرى به سيّدنا محمّد -صلى الله عليه وسلم- ولم يَحْظَ مسجد آخر بهذا الشّرف، ولم تُلامس أرض غير المسجد الأقصى جبهاتِ كلّ الرّسل في سجودهم لله، كما لا مستها أرض المسجد الأقصى، وهذا شاهد تاريخيّ على فضله وسموّه وتقديره.
والمسجد الأقصى تشرّف بأن كان القبلة الأولى لصلاة المسلمين، وتحوّل القبلة إلى المسجد الحرام، لا يعني انتقاص فضل المسجد الأقصى ولا التّقليل من قدسيّته، ولا نّبذّه والإعراضَ عنه، فقد بقي النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون معه، يولّون وجوههم في الصّلاة شطر المسجد الأقصى فترة ليست بالقصيرة، وهي مرحلة ما قبل الهجرة في مكّة المكرّمة، وسنة ونصف تقريبا بعد الهجرة، ولكتا القبلتين مأموران بالتّوجّه إليهما في الصّلاة من الله تعالى، ولا يأمر سبحانه إلاّ بمعروف ولا يُرشد إلاّ إلى حقّ، واقتضت حكمته أن تتحوّل قبلة الصلاة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، ولا يُسأل عمّا يفعل.
ولعلّ تشريع القبلتين، يرمز إلى الارتباط التّاريخيّ والروحيّ بين الجهتين، ووحدة الخط النّورانيّ الّذي يكوّن المسجدان طرفيه، والإشارة إلى مسؤولية المسلمين عن حماية القبلة الأولى كما هم مسؤولون عن حماية القبلة الأخرى.
والمسجد الأقصى ثاني مسجد في التاريخ البشريّ، يأذن الله برفعه ليذكر فيه اسمه الرّفيع، ويُسبّح له فيه بالغدوّ والآصال، ففي الصحيحين عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أوّل مسجد وضع على الأرض، فقال المسجد الحرام، قلت: ثمّ أيّ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: وكم بينهما؟ قال: أربعون عاما، ثمّ الأرض لك مسجد، فحيثما أدركت الصّلاة فصلّ.
وهذا التّوغّل للمسجد الأقصى في أعماق التّاريخ، يُكسبه وقار القديم، ويُضفي عليه هيبة المُعمِّر، ويمنحه مزيّة الثّبات والصّمود أمام الحوادث والأعاصير والكوارث، كما يشهد له ولقرينه المسجد الحرام بفضل السبق على كلّ مساجد الأرض، وفضل الزّيادة التّاريخيّة لكلّ دور العبادة على الإطلاق.
ومن مآثر المسجد الأقصى أنّه أحد المساجد الثلاثة الّتي يُشدّ إليها الرّحال، وتُقصد بالسّفر كما ورد في الحديث الصّحيح المشهور، وهو مضاعفة أجر الصّلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة، وفي المسجد النّبويّ بالمدينة المنوّرة بألف صلاة، والمسجد الأقصى يتمتّع بخمس مئة صلاة.
ومن فضائل المسجد الأقصى استحباب الإحرام منه للحجّ أو العمرة كما في سنن أي داود، وسنن البيهقيّ من حديث أمّ سلمة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أهلّ بحجّة أو عمرة من المسجد الأقصى؛ غُفر له ما تقدّم من ذنبه". ورُوي أنّه أحرم منه كبار الصّحابة كابن عمر رضي الله عنهما، ومعاذ بن جبل رضي الله عنه، كما رٌوي أنّه يُستحبّ لمن أتى أحد المساجد الثّلاثة؛ أن يقرأ فيه القرآن الكريم كاملا، ورُوي أنّ الإمام سفيان الثّوريّ رحمه الله، كان يختم قراءة القرآن الكريم في المسجد الأقصى.
ومن فضائل المسجد الأقصى أنّ الدّجّال عندما يظهر لن يدخله، فقد روى أبو بكر بن شيبة في مصنّفه عن سّمُرة بن جُندب رضي الله عنه، عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وذكر الدّجّال فقال: سيظهر على الأرض كلّها إلاّ الحرم وبيت المقدس، وإنّه يحصُر المؤمنين في بيت المقدس، فيهزمه اللهُ وجنودُه، حتّى إنّ جِذْم الحائط، وأصل الشّجر، ينادي يا مؤمن: هذا كافر يستتر بي، تعال اقتله.
أيّها الإخوة المؤمنون:
عرَف المسلمون في كلّ عهودهم، واختلاف مشارفهم السّياسيّة للمسجد الأقصى، فضله وكرامته، وأعاروه ما يستحقه من الاحترام والتّقدير، فاهتموا برعايته وصيانته، وقاموا بتجديد ما يسقط من بنائه ويتهاوى من أطرافه، وكانوا يتنافسون في زخرفته وتجميله، وإظهاره بالمظهر اللائق به، إلى أن ابتلي المسجد باحتلال الصّليبيّين الكفّار له، وتَدنيس للأرض المقدّسة عام 492 ه، 1099م، حيث قتلوا من أهل القدس المسلمين سبعين ألفا، جرت دماؤهم في الشّوارع كما تجري السّيول العارمة، وحوّلوا المسجد الأقصى إلى كنيسة سمَّوْها: تامِيلُول سُولُومُونِيس، ورفعوا الصّليب فوق قُبّة الصّخرة، واتّخذوا من أقسام المسجد مساكن لفرسانهم، ومن سراديبه اصطبلَّات لخيولهم.
وقد نزل احتلال الصّليبيّين لمسرى -النبي صلّى الله عليه وسلّم- على المسلمين عامّة نزول الصّاعقة، وأدْمت هذه الحادثة الأليمة قلوبهم، وأقَضَّت مضاجعهم، كما أنّهم أُصيبوا في مَقتَل، وانهدَّ ركن من أركانهم، وخسروا خسارة فادحة شديدة الوقع في نفوسهم المكلومة، ولكنّ هذا الحزن العميق الذي اعترى المسلمين من فقدهم لثالث المساجد التي تُشدُّ إليها الرحال، لم يُنسهم واجبهم نحو تحرير المسجد الأقصى من مُحتلِّيه الطّغاة، وتطهيره من رِجس غاصبيه العُتاة، فكان التّفكير في إنقاذه همّهم الدّاهم، وشُغلهم الدّائم، وفي طليعة هؤلاء الميامين، الملك الصّالح نور الدّين محمود بنُ زَنْكي، الّذي قال قولته المشهورة: إنّي لأستحي من الله أن يراني مُبتسما والمسلمون محاصرون بالإفرنج في فلَسطين المحتلّة، فعقد العزم على تخليص المسجد من غاصبيه، وبدأ في إعداد الجيش والقوّة وتعبئة الطّاقات لتحقيق النّصر الموعود بإذن الله، وأمر أن يُصنع للمسجد الأقصى منبر عظيم يُقدّمه إليه هديّة سَنيّة بعد تحريره بعون الله، وعُهد بصنعه إلى أمهر النّجّارين في حلب، ولكن شاء القدر أن يموت الملك نور الدّين قبل انتهاء صنع المنبر، فأتمّ صنعه من بعده ابنه الملك إسماعيل، وجاء بعد إسماعيلَ القائد الإسلاميّ العظيم صلاح الدّين الأيّوبيّ الّذي استعدّ لقتال الصّليبيّين في فلَسطين، وصمّم على تطهير المقدّسات من رجسهم، وعمل بقول الشّاعر الّذي وجّهه لسلفه نور الدّين:
فانهض إلى المسجد الأقصى بذي لُجُبِ
يُوليك أقصى المُنى فالقدس مٌقترِبُ
وأْذن لمَوجك في تطهير ساحته
فإنّما أنت بحر لُجُّهُ لَجِبُ
ونصرَ الله صلاح الدّين، وحرّر فلَسطين والمسجد الأقصى من رجس المحتلّين الأنجاس الصّليبيّين، وذلك في يوم الجمعة 27 من شهر رجب سنة 583ه _ 1187م، فأعاد صلاح الدّين للمسجد الأقصى سابقَ عهده، وأزال الصّليب من فوق قبّة الصّخرة، والتّصاوير وآثار الكفر الّتي شوّه بها الصّليبيّون المسجد، وأمر بإحضار المنبر الّذي صنعه نور الدّين زنكي رحمه الله، وأُقيمت صلاة الجمعة في المسجد، وتولّى الخطبة والإمامة القاضي مُحي الدين بن الزّكيّ الّذي أورد في خطبته كلّ تحميدات القرآن الكريم.
وظلّ المسلمون كعهدهم دائما يحافظون على المسجد الأقصى، ويُولُونه رعايتهم واهتمامهم، وظلّ المنبر العتيد في مكانه تحفة فنّيّة نادرة، وأثرا تاريخيّا بالغ القيمة، إلى أن وقعت الكارثة الكبرى، والمصيبة العظمى، والهزيمة الطّامّة المخجلة، بوقوع المسجد الأقصى، وكثير من أرض فلَسطين العربيّة، تحت وطأة الاحتلال الصّهيونيّ الغاشم، وذلك في عام 1387ه_ و 5/6/1967م. ومنذ ذلك الحين والمسجد الأقصى وما حوله في قبضة الأفّاكين المجرمين، ويتعرّض المسجد لمؤامرات كثيرة من الكيد والقيام بالحفريّات تحته، وتعريضه للانهيار والدّمار، واقتحم جنوده داخل المسجد بأحذيتهم القذرة، وعملوا في المصلّين والمعتكفين في رمضان، ضربا وإهانة وتوبيخا.
ومن أسوإ ما تعرّض له المسجد الأقصى من انتهاك لحرمته وتدنيس لطُهره، إقدامُ يهوديٌّ صهيونيٌّ خسيسٌ مهاجر من أستراليا، أعمى التّعصّب بصيرته، وملأ الحقد قلبه، يسمّى (مايكل روهن)، وقام بجريمة بالغة في الشّناعة والمنكر، وهي صبّ صفيحة من البنزين على منبر المسجد الأقصى الأعجوبة، وأشعل فيها النّار التي ما لبثت أن التهمته وتركته رمادا، ثمّ امتدّ اللّهيب إلى القسم الشّرقيّ من المسجد، والتهمت السّقف الجنوبيّ، وقضت على الزّخارف الفنّيّة النّادرة، وأتت النّار على سجّاد المسجد الفاخر الّذي أهداه السّلطان العثمانيّ عبدالحميد، وقد وقعت جريمة إحراق المسجد الأقصى في السّاعة السّابعة من صباح يوم الخميس 8 من شهر جمادَى الآخرة عام 1389ه،الموافق للتّاريخ الإفرنجي 21/8/1969م.
وسارع أهل القدس إلى المسجد المحترق، وحاولوا بوسائلهم المتواضعة أن يطفئوا لهيب النّار، أمّا الصّهاينة فقد وقفوا يتفرّجون، ولم يتدخّلوا بسيّارات الإسعاف لإطفاء النّيران، وكأنّهم سعداء يتلذّذون بمنظر اللّهيب يأكل المسجد ويحوّله إلى أنقاض.
وبدلا من أن يتلقّى المجرم عقابه على فعلته الشّنيعة، لم يقدّموه إلى المحكمة، وادّعَوا كذبا بأنّه لا يعاقبه القانون، لأنّه مجنون فاقد العقل.
إنّ الصّهاينة المجرمين، لم يفتأوا يتمآمرون على المسجد الأقصى، ولم يقف تهديدهم لا نهياره وتدميره، واستمرّوا في حفريّاتهم تحته وتوسّعوا فيها، ولا يزالون يحرّضون بين الفَينة والأخرى المتطرّفين المتعصّبين منهم على اقتحام المسجد، واستفزاز المصلّين فيه بالضّرب والإهانة والشّتيمة.
أيّها الإخوة الكرام والأخوات الكريمات:
إنّ مسؤوليّة حماية المسجد الأقصى من الخطر الماحق الّذي يتهدّده، معلّقة بعنق كلّ مسلم قادر على نوع من الكفاح والسّعي، وأيّ تعاون في رعاية هذه المسؤوليّة، أو التّقصيرُ في النّهوض بعبئها، سيكون تفريطا في أداء واجب من الواجبات الدّينيّة والقوميّة والإنسانيّة، ووصمةَ عار في جبين كل مسلم قادر يصمّ أذنيه عن سماع صرخة المسجد الأقصى، ولعنة التّاريخ تلاحق من يرى المأساة ماثلة أمامه وهو جامد لا تهتزّ له شعرة من غَيْرة على مقدّسات المسلمين ورموزِ مجدهم وحضارتهم.
والاستجابة لصرخة المسجد الأقصى، لا تكون بكتابة مذكّرات الاستنكار والاحتجاج، ولا ببيانات التّنديد والشّجب، فهذه أساليب لا تُرهب العدوّ، ولا يُلقي لها اعتبارا، وأثبتت التّجارب فشلها، وأصبحت لغةَ العاجزين الّذين يهدّدون بسيوف الخشب، ووسيلة المستضعفين الّذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا، والمطلوب العمل الجادّ المنظّم، والتّرتيب العميق الّذي يفرض على المبطلين الحقّ، ويضرب على العابثين بقوّة وصلابة.
وأقترح أن يتمّ ما نرجوه بالآتي:
1_ إنشاء صندوق في بلد عربيّ إسلاميّ، أو بلد إسلاميّ فقط، تُجمع به التّبرّعات الماليّة للمسجد الأقصى من الجهات الحكوميّة الرّسميّة، والشّركات، والجمعيّات الأهليّة، والنّقابات، ورجالِ الأعمال، ومن صندوق الزّكاة، ومن أثرياء البلد، ومن تبرُّع الأفراد.
2_ مقاطعة الدّولِ الّتي تُساند العدوّ في عدوانه، وتزوّده بالأسلحة الثّقيلة، والمال الوفير، والمشاركةِ في الحرب، وتفرض الفيتو على ثلاثَ عشرة دولة صوّتت بوقف القتال على غزّة، فكان فيتو أمريكا مشاركة فعليّة على استمرار الحرب في غزّة، وقتلِ الآلاف من الأطفال والنّساء، وآلاف المدنيّين المسالمين، وقتل أكثر من مئة صحفيّ، إلى آخر القائمة التّي تشنّها إسرائيل بقنابل أمريكا الفتّاكة المرعبة.
3_ أوافق على البيان الصّادر من مجلس البحوث والدّراسات الشّرعيّة لدار الإفتاء، وأُلِحُّ على مقاطعة البضائع الصّادرة من الدّول الّتي ساعدت إسرائيل، ووقفت معها في حربها الطّاغية الّتي قتلت آلاف الأطفال وآلاف النّساء وآلاف المدنيّين العزّل.
ويقوم الأمريكيون بحرب على الحوثيّين في اليمن نيابة عن صديقتهم إسرائيل، ويدّعون أنّ الحوثيّين يمنعون البحر الأحمر من النّشاط التّجاريّ لغيرهم من الأمم، ويضيّقون بذلك واسعا، واستطاعت أن تستجلب دولا أوروبيّة وينضمّوا إلى حربها على الحوثيّين، وهذا افتراء واضح على الحوثيّين، والحقيقة أنّهم يستحوذون على البواخر في البحر الأحمر إذا كانت مملوكة لإسرائيل، أو كانت أجنبيّة ترسو على ميناء إسرائيليّ، أمّا غير ذلك فالتّجارة العامّة حرّة، ولا ضير على الدّول عامّة أن تُباشر النّشاط التّجاريّ حرّة طليقة.
ونحن مع الحوثيّين في قصدهم النّبيل، ونشكرهم على هذا التّعاون مع إخوانهم الفلسطينيّين الّذين يدافعون عن وجودهم وكرامتهم.
وقد انضمّ إلى الأمريكيّين في حربهم على الحوثيّين دول أوروبّيّة كثيرة، ولكن استغربتُ وتألّمت بانضمام دولة البحرين إلى عبث الأمريكيّين، وهي دولة عربيّة مسلمة، ويُسيء إلى سمعتها هذا الأجراء، ونرجو أن تسحب موافقتها من الانضمام إلى كتلة الأمريكيّين المحاربين لجماعة الحوثيّين الأبطال الشّجعان.
أيّها الإخوة المؤمنون:
مع وجوب الجهود المستطاعة، وضرورة طرق كلّ أبواب العمل المشروعة المتاحة، وبذل ما نقدر عليه من نصرة حقوقنا والذَوْد عن مقدّساتنا، يظلّ العامل الرّوحيّ سلاحا ماضيا في معركتنا، ومددا غزيرا يَشحدُ الهمم، ويشدّ العزائم، ويبعث على الثّبات والصّبر والصّمود، لذلك علينا جميعا أن نرفع أكفّ الضّراعة إلى الله تعالى، وندعوه سبحانه بقلوب خاشعة وَجلة، ونفوسٍ منكسرة خاضعة، أن يحفظ المسجد الأقصى من نيّة إزالته لإقامة هيكل سليمان مكانه على زعمهم الباطل، وأن يجعل تدبير اليهود في تدميرهم، وسعيَهم في فاشلا في مؤامراتهم، ونسأله سبحانه الحماية من شرّهم ومن شرّ المتحالفين معهم، والمزوّدين لهم بالقوّة المدمّرة الحديثة المتطوّرة.
وحتّى يقوى رجاؤنا في استجابة دعائنا من الله، علينا أن نبدأ بالعودة الصّادقة إليه، ونحسن الظّنّ به، ونبرأَ من حولنا وقوّتنا، إلى حوله وقوّته، ونتحرّى الحلال، ونتجنّب الحرام، ونُصلح ما فسد من أمورنا، ونُقوّم ما اعوجّ من سلوكنا.
{وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
فضيلة الشيخ الدكتور: عبد اللطيف أحمد الشويرف.
حُرّر بتاريخ: 28 من شهر جمادى الآخرة 1445ه، الموافق 2024/01/10م.